فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وصيغة {وما كان لنبي أن يُغلّ} صيغة جحود تفيد مبالغة النَّفي.
وقد تقدّم القول فيها عند قوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنُّبَوة} [آل عمران: 79] في هذه السورة فإذا استعملت في الإنشاء كما هنا أفادت المبالغة في النَّهي. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم أمر الغلول وجعله من الكبائر، عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من فارق روحه جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين».
وعن عبد الله بن عمرو: أن رجلا كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، يقال له: كركرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو في النار» فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء وعباءة قد غلهما، وقال عليه الصلاة والسلام: «أدوا الخيط والمخيط فإنه عار ونار وشنار يوم القيامة» وروي رويفع بن ثابت الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا حتى إذا أخلقه رده» وروي أنه صلى الله عليه وسلم جعل سلمان علي الغنيمة فجاءه رجل وقال يا سلمان كان في ثوبي خرق فأخذت خيطا من هذا المتاع فخطته به، فهل علي جناح؟ فقال سلمان: كل شيء بقدره فسل الرجل الخيط من ثوبه ثم ألقاه في المتاع، وروي أن رجلا جاء النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين من المغنم، فقال أصبت هذا يوم خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «شراك أو شراكان من نار» ورمى رجل بسهم في خيبر، فقال القوم لما مات: هنيئا له الشهادة فقال عليه الصلاة والسلام: «كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة التي أخذها من الغنائم قبل قسمتها لتلتهب عليه نارا». اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ} أي ما صح ولا استقام لنبي من الأنبياء أن يخون في المغنم لأن الخيانة تنافي النبوة وأصل الغل الأخذ بخفية ولذا استعمل في السرقة ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم قبل القسمة وتسمى غلولًا أيضا، قيل: وسميت بذلك لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة أيضا، وقال الرماني وغيره أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر، وسميت الخيانة غلولًا لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل، ومن ذلك الغل للحقد والغليل لحرارة العطش والغلالة للشغار، والمراد تنزيه ساحة النبي صلى الله عليه وسلم على أبلغ وجه عما ظن به الرماة يوم أحد فقد حكى الواحدي عن الكلبي ومقاتل أن الرماة حين تركوا المركز يومئذٍ طلبًا للغنيمة قالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئًا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ظننتم أنا نغلّ ولا نقسم لكم» ولهذا نزلت الآية، أو تنزيهه صلى الله عليه وسلم عما اتهمه به بعض المنافقين يوم بدر، فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن جرير وحسناه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، والرواية الأولى: أوفق بالمقام، وارتباط الآية بما قبلها عليها أتم لأن القصة أحدية إلا أن فيها إشعارًا بأن غنائم بدر لم تقسم وهو مخالف لما سيأتي في الأنفال وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه، والرواية الثانية: أولى بالقبول عند أرباب هذا الشأن، ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في النهي عن الغلول، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير مرسلًا عن الضحاك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئًا فلما قدمت الطلائع قالوا قسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لنا فأنزل الله تعالى الآية، فالمعنى ما كان لنبي أن يعطي قومًا من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية، وعبر سبحانه عن حرمان بعض الغزاة بالغلول فطمًا عن هذا الفعل بالكلية، أو تعظيمًا لشأنه صلى الله عليه وسلم، وجعل بعضهم الكلام على هذا الاحتمال على حدّ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] خوطب به صلى الله عليه وسلم وأريد غيره ممن يفعل مثل هذا بعد النهي عنه ولا يخفى بعده والصيغة على الاحتمال الأول: إخبار لفظًا ومعنى لكنها لا تخلو عن رمز إلى نهي عن اعتقاد ذلك في تلك الحضرة المقدسة وعلى الاحتمال الأخير: خبر أجري مجرى الطلب، وقد وردت هذه الصيغة نهيًا في مواضع من التنزيل كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أن يكون لَهُ أسرى} [الأنفال: 67] و{مَا كَانَ لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] [الأحزاب: 53] {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} وكذا للامتناع العقلي كقوله تعالى: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} [مريم: 35] و{مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} [النحل: 60] وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب أن يغل على صيغة البناء للمفعول، وفي توجيهها ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون ماضيه أغللته أي نسبته إلى الغلول كما تقول أكفرته أي نسبته إلى الكفر قال الكميت:
وطائفة قد (أكفرتني) بحبكم ** وطائفة قالت مسئ ومذنب

والمعنى ما صح لنبي أن ينسبه أحد إلى الغلول، وثانيها: أن يكون من أغللته إذا وجدته غالًا كقولهم أحمدته وأبخلته وأجبنته بمعنى وجدته كذلك والمعنى ما صح لنبي أن يوجد غالًا، وثالثها: أنه من غل إلى أن المعنى ما كان لنبي أن يغله غيره أو يخونه ويسرق من غنيمته، ولعل تخصيص النبي بذلك وإن كأن لا يجوز أن يغل غيره من إمام أو أمير إما لعظم خيانته أو لأنه القائم بأمر الغنائم فإذا حرمت الخيانة عليه وهو صاحب الأمر فحرمتها على غيره أولى كذا قيل، وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى توجيه التخصيص بما ذكر بعد الالتفات إلى سبب النزول والنظر إلى ما سيأتي بعد.
ومن الناس من زعم أن الآية نزلت في أداء الوحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وفيه عيب دينهم وسبّ آلهتهم فسألوه أن يطوي ذلك فأنزل الله تعالى الآية، ولا يخفى أنه بعيد جدًا ولا أدري كيف سند هذه الرواية ولا أظن الخبر إلا موضوعًا، ويزيده بعدًا بل لا يكاد يجوزه قوله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه يستثنى عن هذا النهي حالتان.
الحالة الأولى: أخذ الطعام وأخذ علف الدابة بقدر الحاجة، قال عبد الله بن أبي أوفى: أصبنا طعاما يوم حنين، فكان الرجل يأتي فيأخذ منه قدر الكفاية ثم ينصرف، وعن سلمان أنه أصاب يوم المدائن أرغفة وجبنا وسكينا، فجعل يقطع من الجبن ويقول: كلوا على اسم الله.
الحالة الثانية: إذا احتاج إليه، روي عن البراء بن مالك أنه ضرب رجلا من المشركين يوم اليمامة فوقع على قفاه فأخذ سيفه وقتله به. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
أما القراءة بفتح الياء وضم الغين، بمعنى: ما كان لنبي أن يخون، فله تأويلان: الأول: أن يكون المراد أن النبوة والخيانة لا يجتمعان، وذلك لأن الخيانة سبب للعار في الدنيا والنار في الآخرة، فالنفس الراغبة فيها تكون في نهاية الدناءة، والنبوة أعلى المناصب الإنسانية فلا تليق إلا بالنفس التي تكون في غاية الجلالة والشرف، والجمع بين الصفتين في النفس الواحدة ممتنع، فثبت أن النبوة والخيانة لا تجتمعان، فنظير هذه الآية قوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} [مريم: 35] يعني: الالهية واتخاذ الولد لا يجتمعان، وقيل: اللام منقولة، والتقدير: وما كان النبي ليغل، كقوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} أي ما كان الله ليتخذ ولدا.
الوجه الثاني: في تأويل هذه الآية على هذه القراءة أن يقال: إن القوم قد التمسوا منه أن يخصهم بحصة زائدة من الغنائم، ولا شك أنه لو فعل ذلك لكان ذلك غلولا، فأنزل الله تعالى هذه الآية مبالغة في النهي له عن ذلك، ونظيره قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقوله: {وَلَوْ تَّقُولُ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} [الحاقة: 44، 45] فقوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ} أي ما كان يحل له ذلك، واذا لم يحل له لم يفعله، ونظيره قوله: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا} [النور: 16] أي ما يحل لنا.
وإذا عرفت تأويل الآية على هذه القراءة فنقول: حجة هذه القراءة وجوه:
أحدها: أن أكثر الروايات في سبب نزول هذه الآية أنهم نسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغلول، فبين الله بهذه الآية أن هذه الخصلة لا تليق به.
وثانيها: أن ما هو من هذا القبيل في التنزيل أسند الفعل فيه إلى الفاعل كقوله: {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله} [يوسف: 38] و{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} [يوسف: 76] {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [آل عمران: 145] {وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} [التوبة: 115] {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب} [آل عمران: 179] وقل أن يقال: ما كان زيد ليضرب، وإذا كان كذلك وجب إلحاق هذه الآية بالأعم الأغلب، ويؤكده ما حكى أبو عبيدة عن يونس أنه كان يختار هذه القراءة، وقال: ليس في الكلام ما كان لك أن تضرب، بضم التاء.
وثالثها: أن هذه القراءة اختيار ابن عباس: فقيل له إن ابن مسعود يقرأ {يغل} فقال ابن عباس: كان النبي يقصدون قتله، فكيف لا ينسبونه إلى الخيانة؟ وأما القراءة الثانية وهي {يغل} بضم الياء وفتح الغين ففي تأويلها وجهان: الأول: أن يكون المعنى: ما كان للنبي أن يخان.
واعلم أن الخيانة مع كل أحد محرمة، وتخصيص النبي بهذه الحرمة فيه فوائد:
أحدها: أن المجني عليه كلما كان أشرف وأعظم درجة كانت الخيانة في حقه أفحش، والرسول أفضل البشر فكانت الخيانة في حقه أفحش.
وثانيها: أن الوحي كان يأتيه حالا فحالا، فمن خانه فربما نزل الوحي فيه فيحصل له مع عذاب الآخرة فضيحة الدنيا.
وثالثها: أن المسلمين كانوا في غاية الفقر في ذلك الوقت فكانت تلك الخيانة هناك أفحش.
الوجه الثاني: في التأويل: أن يكون من الإغلال: أن يخون، أي ينسب إلى الخيانة، قال المبرد تقول العرب: أكفرت الرجل جعلته كافرا ونسبته إلى الكفر، قال العتبي: لو كان هذا هو المراد لقيل: يعلل، كما قيل: يفسق ويفجر ويكفر، والأولى: أن يقال: أنه من أغللته، أي وجدته غالا، كما يقال أبخلته وأفحمته، أي وجدته كذلك.
قال صاحب الكشاف: وهذه القراءة بهذا التأويل يقرب معناها من معنى القراءة الأولى، لأن هذا المعنى لهذه القراءة هو أنه لا يصح أن يوجد النبي غالا، لأنه يوجد غالا إلا إذا كان غالا. اهـ.

.قال القرطبي:

الآية في معنى نَهيْ الناس عن الغلول في الغنائم، والتَّوَعُّد عليه.
وكما لا يجوز أن يُخان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يُخان غيرُه، ولكن خصّه بالذكر لأن الخيانة معه أشدُّ وقْعًا وأعظمُ وِزْرًا؛ لأن المعاصي تعظم بحضرته لِتعيُّن توقيره.
والوُلاة إنما هم على أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم فلهم حظّهم من التّوقير. اهـ.

.قال الفخر:

قد ذكرنا أن الغلول هو الخيانة، إلا أنه في عرف الاستعمال صار مخصوصا بالخيانة في الغنيمة، وقد جاء هذا أيضا في غير الغنيمة، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الغلول الرجلأن يكون بينهما الدار والأرض فإن اقتطع أحدهما من صاحبه موضع حصاة طوقها من الأرضين السبع» وعلى هذا التأويل يكون المعنى كونه صلوات الله وسلامه عليه مبرأ عن جميع الخيانات، وكيف لا نقول ذلك والكفار كانوا يبذلون له الأموال العظيمة لترك ادعاء الرسالة فكيف يليق بمن كان كذلك وكان أمينا لله في الوحي النازل اليه من فوق سبع سموات أن يخون الناس!. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وهذه الآية من ألطف التعريض، إذ قد ثبتت براءة ساحة النبي صلى الله عليه وسلم، من الغُلول فدل على أن الغلول في غيره.
ومثله: {وإِنا أو إِياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 25] وقد ذكر عن السدي نحو هذا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة}:

.قال الفخر:

فيه وجهان:
الأول: وهو قول أكثر المفسرين إجراء هذه الآية على ظاهرها، قالوا: وهي نظير قوله في مانع الزكاة {يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ} [التوبة: 35] ويدل عليه قوله: «لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها ثغاء فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئًا قد بلغتك» وعن ابن عباس أنه قال: يمثل له ذلك الشيء في قعر جهنم، ثم يقال له: انزل اليه فخذه فينزل إليه، فإذا انتهى اليه حمله على ظهره فلا يقبل منه.
قال المحققون: والفائدة فيه أنه إذا جاء يوم القيامة وعلى رقبته ذلك الغلول ازدادت فضيحته.
الوجه الثاني: أن يقال: ليس المقصود منه ظاهره، بل المقصود تشديد الوعيد على سبيل التمثيل والتصوير، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السموات أَوْ في الأرض يَأْتِ بِهَا الله} [لقمان: 16] فإنه ليس المقصود نفس هذا الظاهر: بل المقصود إثبات أن الله تعالى لا يعزب عن علمه وعن حفظه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فكذا هاهنا المقصود تشديد الوعيد، ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجهين:
الأول: قال أبو مسلم: المراد أن الله تعالى يحفظ عليه هذا الغلول ويعزره عليه يوم القيامة ويجازيه، لأنه لا يخفى عليه خافية.
الثاني: قال أبو القاسم الكعبي: المراد أنه يشتهر بذلك مثل اشتهار من يحمل ذلك الشيء، واعلم أن هذا التأويل يحتمل إلا أن الأصل المعتبر في علم القرآن أنه يجب إجراء اللفظ على الحقيقة، إلا إذا قام دليل يمنع منه، وهاهنا لا مانع من هذا الظاهر، فوجب إثباته. اهـ.